سيرة الجن تكفي لإحضار العفاريت ** رواية جميلة وهزلية، ومملوءة بصور حية للحياة الفطرية والبدائية للأجيال الأولى من سكان ليبيا، وهي وإن كانت تصف الحياة الليبية، إلا أنها في الواقع صورة يمكن أن تتوافق مع الحياة العامة في أي قطر عربي.
الأيمان بالأشباح والعجائب التي لا يناقشها العقل، بل يؤمن بها كحقيقة يجب التعايش معها، هي من مقومات الثقافة العامة للعوام، فالجن والعفاريت بمفاهيم أسطورية متطرفة بعيدا عن تهذيب الدين لهذه المفاهيم، تجعلها فوق طاقة الفكر والعقل والفهم، وهي جزء من الحياة الفكرية في العقل العربي البدوي، والجن والعفاريت والشياطين هم شركاء الإنسان في كل مكان يعيش فيه، وإذا كان يصعب على الإنسان أن يراهم فإنه من السهل عليه أن يجعلهم يتقمصون حيواناته من خراف وجمال، أو أن يجعلهم تلك الحشرات التي تملأ الصحراء، فيتعامل معها، ليست كحشرة بل على أنها مخلوق من أهل الخفاء، يتخفى عن الإنسان بهذا التقمص الشكلي، سواء ليضر الإنسان أو ليكتفي شره، فالثقافة الفكرية عن البسطاء توزع القوة والفكر والمكر بين الأنس والجن بالتساوي، لذا فإن أيا منهم يستطيع أن يتغلب على الآخر.
الخيال والواقع:
من هذه الرواية يقول الراوي: "سرق الخال حوائج أمي من ذهب ورداء الحرير وقمجة وأشياء أخرى لا أعرفها، في اليوم التالي سمعت جدتي ثم أمي ثم زوجة عمي وجاراتنا، ثم من يترددون على الدكان وفي المدرسة أن عفريتة امرأة تلبس الذهب والحرير؛ كانت قتلت ظلما من أخيها ليلة عرسها _ سترا عن فضيحة خلقية_، هذه العفريتة ظهرت عروسا تحجل على مسرح ربوة الحقفة..
لم اصدق ما سمعت، لكن لم أعرف لم يصدق الناس ما لا يعرفون .."
فخال الراوي سرق ملابس ومجوهرات أخته(أم الراوي) وشوهد وهو يمشي في الشوارع يلبسها، فبدلا من إلصاق التهمة به، تم تحويل السرقة إلى أنها عملية من عمليات أهل الخفاء، فالمرأة التي ظهرت ليست خال الراوي بل إنها تلك العروس المقتولة.
أسلوب ساخر:
هذه الرواية تمتلئ بالهزل والصور المضحكة عن حياة البسطاء من الناس، ولا تخلو صفحة من صفحات هذه الرواية من حوار أو لقطة تنتزع الابتسامة من القارئ، ويزيدها الكاتب جمالا بكتابتها باللغة العامية الليبية، ليقدمها بلونها ونكهتها المحلية.
بطل الرواية تعارك مع أحد أبناء الحي، وضربه الآخر وأوجعه، وقامت أخت هذا الغريب وصفعت بطل الرواية أيضا " في ذلك اليوم فقط انزعجت أن لا يكون لي إخوة في عمري، فتمنيت أن يكون لي الكثير منهم، وأن يكبروا بسرعة، وتحققت هذه الأمنية التي ندمت عليها فيما بعد لما تجاوز عددهم الدرزينة" .
ويزور الراوي مدينة بنغازي وهو صغير السن ويقول "غير أني لاحظت فيلا أصفر يحمل صخرة من جبل يمخر الشارع الرئيسي في المدينة، ويقوده _ الفيل _ تيس أحمر.(وكان يردد في سره سورة الفيل ويتعجب من هذا الصخر الكبير وكيف سيكون حجارة صغيرة من سجيل).
ويشرح الالتباس للقاري ويقول: "عرفت فيما بعد أن هذا الفيل سيارة حمالة الصخر ـ الذي كان يردم به البحر ليمنع الأمواج الهائجة من مهاجمة الشاطئ- وأما التيس الأحمر فهو السائق اليوناني، فقد كان وجهه أحمر من شدة الحر والشمس .
الحياة المتناقضة:
تدور حياة بطل الرواية في تناقضات شديدة، فهو يعيش في بيئة تشارك الجن والعفاريت في أمورها، ويشاركها الجن أيضا في المأكل والمشرب والمسكن، ولكن عليهم أن يخشى كل منهم الآخر ويحترم حقوقه، فالجدة لا تنظف البيت إلا بمكنسة عراجين النخل اليابسة لأنها لا تجرح الجن، وكانت كلما نظفت الكنيف وجب عليها قراءة المعوذات تنبه الجن وتحذرهم بأنها تتأسف لإزعاجهم.
والتناقض سبب له الكثير من البلبلة والخوف في حياته، فهو يعلم حسبما يسمع من القصص أن الجن يعملون في الليل، ويتنقلون في الشوارع المظلمة، لذا فهو يخاف الظلمة، ولكنه مطالب بالحركة والسير ليلا من أهله ومن المجتمع ليثبت لهم أنه ليس بخائف من الظلام أو من الجن، وإذا لم يفعل وركبه الخوف فانه سيظل عجينة في ألسنتهم يلوكون سمعته، ويتحدثون عن خوفه من الظلام.
حفلة في المقبرة!!
خاله صغير السن، وهما أصدقاء، ولكن للخال حقوقا عديدة، وعليه طاعته، فخاله يطلب منه الخروج في الظلام، وهذا الأمر يرعبه، وخاله له رؤية أخرى في معالجة الخوف الكبير من الظلام، وهو أن يجبره على دخول المقابر في الليالي الحالكة الظلمة، لكي يزيد من مفعول العلاج، ويذهب الخوف.
يجره خاله ويقذف به من على جدار المقبرة، ويتركه يحاول الخروج من الباب البعيد، وهنا في هذه المقبرة يسمع ألحانا موسيقية لكي يزداد أيمانه بأنه محاصر بالجن والعفاريت، ولكن يتبين أن أبناء جارهم يهربون في الليل إلى المقبرة بحثا عن المكان الآمن الذي يمكنهم أن يعزفوا العود فيه بعيدا عن الدخلاء والمعارضين، فالمقبرة كانت أكثر أمانا عندهم من أن يعزفوا في بيوتهم، فالموتى يرحبون بهم، ولكن الأحياء يطردونهم ويلاحقونهم ويمنعونهم من التمتع بهذا الفن الذي يسري في عروقهم.
رواية أساطير:
هذه الرواية تحتوي على مجموعة أساطير ترددها الجدات، ويحكينها للصغار لأجل النوم أو للتسلية في الليالي الطويلة الباردة التي يتكلم عنها الكاتب بدون أي نوع من أنواع التسلية المتوفرة حاليا، فكانت الجدات هن مقدمات برامج السهرة الليلية، وكانت القصص والأساطير والخرافات هي البرامج المتنوعة والتي كانت تعرض للجميع كل ليلة. لذا فإن هذه الرواية هي سجل لأكثر من عشرة من أساطير العجائز الممتعة.
***
الأيمان بالأشباح والعجائب التي لا يناقشها العقل، بل يؤمن بها كحقيقة يجب التعايش معها، هي من مقومات الثقافة العامة للعوام، فالجن والعفاريت بمفاهيم أسطورية متطرفة بعيدا عن تهذيب الدين لهذه المفاهيم، تجعلها فوق طاقة الفكر والعقل والفهم، وهي جزء من الحياة الفكرية في العقل العربي البدوي، والجن والعفاريت والشياطين هم شركاء الإنسان في كل مكان يعيش فيه، وإذا كان يصعب على الإنسان أن يراهم فإنه من السهل عليه أن يجعلهم يتقمصون حيواناته من خراف وجمال، أو أن يجعلهم تلك الحشرات التي تملأ الصحراء، فيتعامل معها، ليست كحشرة بل على أنها مخلوق من أهل الخفاء، يتخفى عن الإنسان بهذا التقمص الشكلي، سواء ليضر الإنسان أو ليكتفي شره، فالثقافة الفكرية عن البسطاء توزع القوة والفكر والمكر بين الأنس والجن بالتساوي، لذا فإن أيا منهم يستطيع أن يتغلب على الآخر.
الخيال والواقع:
من هذه الرواية يقول الراوي: "سرق الخال حوائج أمي من ذهب ورداء الحرير وقمجة وأشياء أخرى لا أعرفها، في اليوم التالي سمعت جدتي ثم أمي ثم زوجة عمي وجاراتنا، ثم من يترددون على الدكان وفي المدرسة أن عفريتة امرأة تلبس الذهب والحرير؛ كانت قتلت ظلما من أخيها ليلة عرسها _ سترا عن فضيحة خلقية_، هذه العفريتة ظهرت عروسا تحجل على مسرح ربوة الحقفة..
لم اصدق ما سمعت، لكن لم أعرف لم يصدق الناس ما لا يعرفون .."
فخال الراوي سرق ملابس ومجوهرات أخته(أم الراوي) وشوهد وهو يمشي في الشوارع يلبسها، فبدلا من إلصاق التهمة به، تم تحويل السرقة إلى أنها عملية من عمليات أهل الخفاء، فالمرأة التي ظهرت ليست خال الراوي بل إنها تلك العروس المقتولة.
أسلوب ساخر:
هذه الرواية تمتلئ بالهزل والصور المضحكة عن حياة البسطاء من الناس، ولا تخلو صفحة من صفحات هذه الرواية من حوار أو لقطة تنتزع الابتسامة من القارئ، ويزيدها الكاتب جمالا بكتابتها باللغة العامية الليبية، ليقدمها بلونها ونكهتها المحلية.
بطل الرواية تعارك مع أحد أبناء الحي، وضربه الآخر وأوجعه، وقامت أخت هذا الغريب وصفعت بطل الرواية أيضا " في ذلك اليوم فقط انزعجت أن لا يكون لي إخوة في عمري، فتمنيت أن يكون لي الكثير منهم، وأن يكبروا بسرعة، وتحققت هذه الأمنية التي ندمت عليها فيما بعد لما تجاوز عددهم الدرزينة" .
ويزور الراوي مدينة بنغازي وهو صغير السن ويقول "غير أني لاحظت فيلا أصفر يحمل صخرة من جبل يمخر الشارع الرئيسي في المدينة، ويقوده _ الفيل _ تيس أحمر.(وكان يردد في سره سورة الفيل ويتعجب من هذا الصخر الكبير وكيف سيكون حجارة صغيرة من سجيل).
ويشرح الالتباس للقاري ويقول: "عرفت فيما بعد أن هذا الفيل سيارة حمالة الصخر ـ الذي كان يردم به البحر ليمنع الأمواج الهائجة من مهاجمة الشاطئ- وأما التيس الأحمر فهو السائق اليوناني، فقد كان وجهه أحمر من شدة الحر والشمس .
الحياة المتناقضة:
تدور حياة بطل الرواية في تناقضات شديدة، فهو يعيش في بيئة تشارك الجن والعفاريت في أمورها، ويشاركها الجن أيضا في المأكل والمشرب والمسكن، ولكن عليهم أن يخشى كل منهم الآخر ويحترم حقوقه، فالجدة لا تنظف البيت إلا بمكنسة عراجين النخل اليابسة لأنها لا تجرح الجن، وكانت كلما نظفت الكنيف وجب عليها قراءة المعوذات تنبه الجن وتحذرهم بأنها تتأسف لإزعاجهم.
والتناقض سبب له الكثير من البلبلة والخوف في حياته، فهو يعلم حسبما يسمع من القصص أن الجن يعملون في الليل، ويتنقلون في الشوارع المظلمة، لذا فهو يخاف الظلمة، ولكنه مطالب بالحركة والسير ليلا من أهله ومن المجتمع ليثبت لهم أنه ليس بخائف من الظلام أو من الجن، وإذا لم يفعل وركبه الخوف فانه سيظل عجينة في ألسنتهم يلوكون سمعته، ويتحدثون عن خوفه من الظلام.
حفلة في المقبرة!!
خاله صغير السن، وهما أصدقاء، ولكن للخال حقوقا عديدة، وعليه طاعته، فخاله يطلب منه الخروج في الظلام، وهذا الأمر يرعبه، وخاله له رؤية أخرى في معالجة الخوف الكبير من الظلام، وهو أن يجبره على دخول المقابر في الليالي الحالكة الظلمة، لكي يزيد من مفعول العلاج، ويذهب الخوف.
يجره خاله ويقذف به من على جدار المقبرة، ويتركه يحاول الخروج من الباب البعيد، وهنا في هذه المقبرة يسمع ألحانا موسيقية لكي يزداد أيمانه بأنه محاصر بالجن والعفاريت، ولكن يتبين أن أبناء جارهم يهربون في الليل إلى المقبرة بحثا عن المكان الآمن الذي يمكنهم أن يعزفوا العود فيه بعيدا عن الدخلاء والمعارضين، فالمقبرة كانت أكثر أمانا عندهم من أن يعزفوا في بيوتهم، فالموتى يرحبون بهم، ولكن الأحياء يطردونهم ويلاحقونهم ويمنعونهم من التمتع بهذا الفن الذي يسري في عروقهم.
رواية أساطير:
هذه الرواية تحتوي على مجموعة أساطير ترددها الجدات، ويحكينها للصغار لأجل النوم أو للتسلية في الليالي الطويلة الباردة التي يتكلم عنها الكاتب بدون أي نوع من أنواع التسلية المتوفرة حاليا، فكانت الجدات هن مقدمات برامج السهرة الليلية، وكانت القصص والأساطير والخرافات هي البرامج المتنوعة والتي كانت تعرض للجميع كل ليلة. لذا فإن هذه الرواية هي سجل لأكثر من عشرة من أساطير العجائز الممتعة.
***